الجزائر تحاول كسر عزلتها بدفء دبلوماسي في نواكشوط.. وموريتانيا تتريث

في ظلّ سياق إقليمي مضطرب وتنامي الضغوط على سياساتها الخارجية، تسعى الجزائر إلى إعادة ترتيب أوراقها الدبلوماسية عبر البوابة الموريتانية، في محاولة لفكّ العزلة السياسية التي تعمّقت بفعل مواقفها الإقليمية المتشددة، خاصة تجاه المغرب.

ففي العاصمة نواكشوط، شكّل اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك بالسفير الجزائري الجديد، أول خطوة علنية لإذابة الجليد بين البلدين بعد فترة من الفتور والقطيعة الصامتة. اللقاء جاء عقب مغادرة السفير السابق محمد بن عتو للتراب الموريتاني بشكل مفاجئ ومن دون أي ترتيبات وداع رسمي، ما فُهم حينها كدليل على توتر مكتوم.

هذه الخطوة الجزائرية تتزامن مع تصعيد دبلوماسي لافت مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ما زاد من الضغوط على الدبلوماسية الجزائرية، التي تجد نفسها محاصرة بتراجع الدعم الإقليمي والدولي، في وقت تتجه فيه دول الجوار نحو شراكات استراتيجية مع الرباط، كما أظهرته الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الموريتاني للملك محمد السادس بمدينة الدار البيضاء.

وتُفسّر تحركات الجزائر الأخيرة في موريتانيا، حسب مراقبين، كمساعٍ للبحث عن موطئ قدم جديد بعد تآكل نفوذها الإقليمي، واستثمار العلاقات الثنائية لتثبيت حضورها في منطقة المغرب العربي، دون تجاوز حدود حساسياتها المزمنة، خاصة ما يتعلّق بنزاع الصحراء المغربية.

وفي هذا السياق، أكد الشيخ أحمد أمين، مدير موقع “أنباء انفو” الموريتاني، أن اللقاء الأخير في نواكشوط لم يكن مجرد مجاملة بروتوكولية، بل يحمل دلالات سياسية واضحة تتجاوز التوقيت والشكل، وتكشف عن نوايا حذرة لإعادة ترميم العلاقة. كما شدد على أن موريتانيا تجد نفسها اليوم في موقع دبلوماسي حساس يفرض عليها اعتماد مقاربة متزنة وسط تقاطع المصالح المغاربية والخليجية.

من جهتها، اعتبرت الدكتورة مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، أن الجزائر لا تسعى إلى شراكة حقيقية بقدر ما تحاول توظيف علاقتها بموريتانيا كأداة لتجاوز عزلتها المتنامية، مشيرة إلى أن القيادة الجزائرية باتت تدرك أنها في حاجة إلى مسارات بديلة بعد فشلها في تمرير أجندتها داخل المنظمات الإقليمية، خاصة اتحاد المغرب العربي الذي تعرقل مساره بسبب مواقفها المتصلبة.

وأوضحت لغزال أن الجزائر تعرض على نواكشوط شراكات اقتصادية في مجالات النفط والغاز والربط الطرقي من تندوف إلى الزويرات، إلى جانب اتفاقيات أمنية، غير أن هذه العروض تبقى، حسب رأيها، رهينة سياق ظرفي يطغى عليه قلق من تنامي الحضور المغربي في إفريقيا.

وذهبت المتحدثة ذاتها إلى أن ما تقوم به الجزائر يعكس مأزقاً داخلياً يرتبط بتحديات أمنية واجتماعية واقتصادية، معتبرة أن محاولات تقويض الدور المغربي بالمنطقة محكومة بالفشل، لأن الفاعلين الإقليميين باتوا يدركون أن أي تقارب مع الجزائر ينبني على منطق معاداة المغرب، لا على أسس تعاون حقيقية.

ومع أن الجزائر تحاول اليوم عبر بوابة نواكشوط كسر عزلتها وإعادة التموقع في الفضاء المغاربي، إلا أن التقارب الحذر الذي تبديه موريتانيا يعكس وعياً سياسياً متقدماً بضرورة الحفاظ على توازن استراتيجي لا يُقايض الأمن بالشراكة، ولا يُغفل التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة.

المصدر : صحافة بلادي