نحن في عالم لا يرحم من تأخر عن ركب التقدم.
حيث أن أقطاب النظام العالمي الجديد
قاموا بتغيير قانون اللعبة السياسية عبر العالم،
فبعد الدمار الهائل الذي لحق دول أوروبا و و آسيا بسبب تداعيات الحرب العالمية الثانية
إستنتج الساسة الغربيون
أن منهجية التحالفات و الحروب التقليدية
لا تجنب حتى القوى العالمية الكبرى خسائر و مآسي الحروب بالرغم من تحقيق الإنتصارات
عند هذه النقطة بالتحديد، قرر مهندسو السياسة داخل كواليس صناعة القرار الدولي إبتكار نظام عالمي جديد يؤطر التفاعلات الدولية في جميع المجالات سواء الإقتصادية أو الإجتماعية و السياسية و العسكرية و يحمي شعوب الدول المتقدمة من ويلات و خسائر الحروب، نظام مبني على الإستثمار في الادمغة النابغة و الرصينة و توظيف الذكاء الصناعي لمساعدتها على تحقيق الأمن و الإستقرار و التطور و من جهة أخرى فإن إقصاء العقول المتحجرة و المتعصبة من الناحية الفكرية و الآيديولوجية ففي النظام العالمي الجديد لا مكان للحمقى أو المتعصبين الذين يهددون السلم الإقليمي و الدولي بحيث ان إضافتهم الوحيدة تقتصر على إنتاج فكر متصلب لا يزيد العالم إلا اجيالا من العقول المتحجرة و التي دائما ما يكون قصر نظرها سببا في الدمار. و من جهة أخرى فإن
هذه الشريحة من ذوي العاهات الفكرية.
يستعملها خبراء السياسة الدولية في صناعة أوراق سياسية رابحة.فالعقل المتحجر يكون سهل التجنيد فما أحب العقول المتعصبة البليدة إلى صانعي السياسات العالمية فهم هدف سهل المنال و قنابل سهلة التفجير. يكفي أن تعرضهم لبروباغاندا إعلامية متواصلة ليتحولو إلى أجساد متحركة بدون عقول يكررون الأفكار التي تم حشو عقولهم بها مثل منبه يرن كلما حل التوقيت الذي تمت برمجته عليه.
تماما مثل ما فعل جوبلز و زير دعاية هتلر عندما إستعمل الآلة الدعائية الألمانية لنشر الفكر النازي
و سواء كانو نشطاء عاديين او زعماء للدول فإن مصير هذه الفئة من العقول تكون نهايته غير مأسوف عليها و لكم في الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي مثال على ذلك. لكن السؤال المطروح هنا، ماهي الوصفة السحرية التي أنتجها النظام العالمي الجديد ليقضي على من يتخلف عن موعده السياسي؟
إنها الحرب بالوكالة، هي مفهوم جديد للحرب، يختلف تماما و المفهوم التقليدي لجميع الحروب السابقة التي عرفتها البشرية. فالحرب بالوكالة هي المخطط الذي بإمكانه أن يقضي على أي دولة مهما تعاظم حجمها الإقتصادي و مهما كبرت ترسانتها العسكرية. فالحرب بالوكالة ليست حربا عادية تبدأ بالقصف الصاروخي أو الهجوم العسكري بل إن لها ساعة صفر مختلفة تماما عن الحروب التقليدية.
فهي تبدأ داخل المجتمع عبر إستثمار مشاكله الإجتماعية و الإقتصادية و أزماته الفكرية و فساد الإدارة السياسية للشؤون الدولة.
هي سرطان فكري يتسلل إلى شرايين المجتمع و يبدأ في نشر أفكار غريبة و متطرفة تحت غطاء الحرية الفردية و الديموقراطية، ليبقى الهدف منها دفع المجتمع إلى التفكك و التحول إلى تيارات فكرية متصارعة فيما بينها و من تم دفعها إلى الإصطدام بالدولة إصطداما مباشرا يبتدأ، بشعارات التغيير و ينتهي بالدمار الشامل و تفكك الدول و هذا مايسمى بالفوضى الخلاقة. و عند الوصول إلى هذا الوضع تبدأ المرحلة الثانية من مخطط الحرب بالوكالة. حيث أن النظام العالمي الجديد له مؤسساته الثابثة التي تتكفل بإدارة النزاعات المسلحة و الحروب الأهلية مثل مجلس الأمن و الأمم المتحدة لكن له أيضا مؤسساته الغير ثابتة وهي التحالافات العسكرية الدولية التي تشكلها القوى العظمى من أجل التدخل لمحاربة الحركات المسلحة و النزاعات الإقليمية.
هذه القوى العسكرية تقوم بالدخول إلى الدول المستهدفة من أوسع أبوابها و غالبا ما يتم طلب المساعدة منها من قبل إحدى الأطراف المتناحرة داخل الدولة. و هي لا تتدخل لسواد عيون أطراف النزاعات فهي لا تحرك جيوشها إلا بعد الحصول على الضمانات الكافية للشروط السياسية و المالية و العسكرية و الإقتصادية التي تضعها.
فلكل حرب تكلفتها المالية و وفق النظام العالمي الجديد لا بد للبلد المستضيف أن يدفع الفاتورة اليومية للحرب فالدول الغنية بالنفط تدفع من ثرواتها و الدول الفقيرة تدفع من مساحتها و كلا الدولتين سواء الغنية أو الفقيرة فإنهما تدفعان القسم الأهم من الفاتورة من سياداتها بعد ذلك تأتي المرحلة الأخيرة من مخطط الحرب بالوكالة و هي جلب المرتزقة،إن العناصر العسكرية التي يتم إرسالها لهذه البؤر المشتعلة لا تكون في الأصل من جنس الدول المتدخلة عسكريا و إنما هي مجموعات من المقاتلين الذين يتم جلبهم من نزاعات إقليمية أخرى فهم ينتمون إلى دول قد أحرقتها نيران الحروب بالوكالة و يهم في الغالب رجال قتلت أسرهم و أبيدت مدنهم و قراهم و أقبرت الحرب إنسانيتهم و لم يعد لهم ما يحزنون عليه أو يخسرونه لأنهم في الأصل خسروا كل شيئ. يدفعون لهم أجورا للقتل فيصبحون قتلة مأجورين بما تحمله الكلمة من معنى و الأمثلة كثيرة لا حصر لها.، سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، لبنان، الأكراد، و يبقى المستفيد الأكبر هي القوى العالمية المتحكمة في النظام العالمي الجديد لأنها تحقق مصالحها الإقتصادية و السياسية و العسكرية من دون أن تنفق فلسا واحدا أو تخسر جنديا من أبناءها أو حتى رصاصة من دون أن تدفع فاتورتها.
هل تعلمون ماهو السبب الذي يجعل بعض الدول مسرحا لهذه الحروب، إنه العقم الفكري للنظام السياسي و الإنغلاق الآيديولوجي لمسؤولي هذه الحكومات و إيمانها الراسخ بأن الشعب خلق ليعيش عبدا للنظام العسكري و أن الثقافة و الرقي الفكري ليست سوى تفاهات يجب إبعادها عنه و أن مقدراته و اموال الدولة هي ملك لمجموعة من كبار الظباط و رجال الأعمال إن الفكر المارق الذي يرفع في العلن شعارات المقاومة و دعم الشعوب المزعومة و القضايا الإنسانية هو نفسه ذلك الفكر الخائن العميل الذي ينفق أموال شعبه في بناء ثروات الفاسدين و تمويل الإنقسامات و التفكك و التشرذم و إذكاء النعرات الطائفية و العرقية ليحافظ على بقائه مثل السرطان ينهش جسد الدولة. فطالما جسد الدولة مريض لطالما هنالك مساحة عيش للأنظمة الشمولية المجرمة و هذا ما تبحث عنه القوى العالمية التي وضعت قواعد النظام العالمي الجديد إنها الدول الغنية بثرواتها لكنها فقيرة فكريا منهارة إقتصادية منهكة إجتماعيا ليس لذيها الوقت حتى للملمة جراحها. فتكون هدفا سهل المنال و يكون نظامها الفاسد هو أول من يفتح الباب أمام دخول القوات الخارجية من أجل إستباحة كرامة الشعب و الدولة بأكملها.
بقلم : إسماعيل واحي ، ناشط و مدون مغربي