قام رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بتوجيه رسالة بمناسبة إحياء اليوم الوطني للذاكرة المخلد لذكرى مجازر الثامن من ماي 1945.
وجاء في نص الرسالة ما يلي:
“بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين..
أيتها الفضليات، أيها الأفاضل، نحي اليوم بفخر واعتزاز اليوم الوطني للذاكرة المخلد الذكرى مجازر الثامن ماي سنة 1945 : تلك المحطة الحاسمة من تاريخ كفاحنا المجيد ضد الاستعمار، التي عقد بنات وأبناء الشعب الجزائري العزم على التوثب وركوب المخاطر لانتزاع الحرية والاستقلال.
إن يوم الثامن ماي من سنة 1945 تاريخ خالد كان ولا يزال رمزا للتضحية والفداء باعتباره منعطفا حاسمة في كشف حقيقة الاستعمار وبلورة الوعي بحتمية الإعداد للثورة المباركة، ذلك أن هذا اليوم التاريخي كان قبسا أضاء القلوب إيمانا بالتضحية والجهاد وأنار دروب الخلاص والحرية والاستقلال، وفي هذه المناسبة التاريخية نترحم على أرواح الشهداء الأبرار ومن لحقهم من المجاهدين الأخيار.
إننا نستحضر في يوم الذاكرة الوطنية، شهداء الكرامة والحرية من خيرة بنات وأبناء الشعب الجزائري، وننحني بخشوع وإكبار أمام أرواحهم الطاهرة، بعد إقرار الثامن من ماي يوما للذاكرة الوطنية قبل سنة تعبيرا عن الوفاء الذاكرة شهدائنا الأبرار ولتضحياتهم.
إن الرسالة المقدسة التي ورثناها عن شهدائنا الذين عبدوا بدمائهم الزكية طريق الحرية، رسالة ثقيلة تتطلب منا رصت الصفوف والتوجه جميعا نحو المستقبل فنجعل من بنات الجزائر وأبناءها طاقة متكاملة وقوة موحدة وافري الاستعداد لكسب الرهانات بقلوب ملؤها الثقة في النجاح، ولا يتأتى ذلك إلا بالتمسك بتلك القيم النبيلة والمثل العليا التي كرسها نضال شعبنا على مر السنين والعصور وهي المعاني السامية التي ما فتئت تترسخ في النفوس وتتوطد في الوجدان بفضل المجهودات الكبيرة التي تبذلها الدولة على كافة المستويات والتي تهدف في مجملها إلى حماية ذاكرة الامة، وقد تجلى ذلك في التعديل الدستوري الجديد الذي كرس بيان أول نوفمبر 1954، وأكد على احترام رموز الثورة التحريرية وترقية كتابة التاريخ الوطني وتعليمه للناشئة وذلك تأكيدا للدور الاستراتيجي للذاكرة الوطنية في تنمية الشعور الوطني والحس المدني وتقوية روابط الانتماء والاعتزاز بأمجاد الوطن.
إن تثمين ذاكرتنا ونقلها لشباب الجزائر المستقلة أكبر ضمان التحصين الأمة وتمثين صلتها بوطنها، معتدة بأمجاد ماضيها قادرة على التفاعل مع حقائق عصرها وتحقيق النجاح المأمول في بناء الجزائر الجديدة التي هي مقبلة على استحقاقات تشريعية في جوان المقبل، والتي ستتعزز بفضلها مسيرة التجديد الوطني الذي التزمنا به والمبنية على قيم المصارحة والثقة والشفافية ومحاربة الفساد بكل أشكاله ..
وإننا لعلى ثقة أن بنات وأبناء الشعب الجزائري تحدوهم الإرادة والوعي لتثبيت أسس الاختيار الديمقراطي الحر، الكفيل بإرساء دولة المؤسسات والحق والقانون، وبناء الجزائر السيدة القوية التي يحلم بها الشهداء والمجاهدون.
أيتها الفضليات، أيها الأفاضل، ونحن اليوم نحيي اليوم الوطني للذاكرة لابد أن نشير إلى أن جودة العلاقات جمهورية فرنسا لن تأتى دون مراعاة التاريخ ومعالجة ملفات الذاكرة والتي لا يمكن بأي حال أن يتم التنازل عنها مهما كانت المسوغات، ومازالت ورشاتها مفتوحة كمواصلة استرجاع جماجم شهدائنا الأبرار، وملف المفقودين واسترجاع الأرشيف وتعويض ضحايا التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية.
فإذا كان النظر إلى المستقبل الواعد يعتبر الحلقة الاهم في توطيد وتثمين أواصر العلاقة بين الأمم، فإن هذا المستقبل يجب أن يكون أساسه صلبا خاليت من أي شوائب، فالجزائر مصممة دوما على تجاوز كل العقبات وتذليل كل الصعوبات نحو مستقبل أفضل، وتعزيز الشراكة الاستثنائية، لترتقي علاقاتها إلى المستوى الاستراتيجي إذا ما تهيأت الظروف الملائمة لذلك، ومعالجة كل ملفات الذاكرة بجدية ورصانة وتنقيتها من الرواسب الاستعمارية، فالشعبان يتطلعان إلى تحقيق قفزة نوعية نحو مستقبل أفضل تسوده الثقة والتفاهم، ويعود بالفائدة عليهما في إطار الاحترام المتبادل والتكافؤ الذي تحفظ فيه مصالح البلدين.
أخواتي الفضليات، إخواني الأفاضل، إن العمل على إعادة تشكيل الذاكرة الوطنية وحمايتها من التخريب والتحريف والضياع، يعد تحديا كبيرا ينبغي رفعه، لأن الذاكرة ليست مسألة معرفية عادية وفقط تتوقف عند حدود العلم، بل هي معالم وضاءة نسترشد بها طريقنا نحو المستقبل الأفضل لأمتنا ووطننا، وبودي أن أثني على علو همة شبابنا وتعلقهم الوجداني بمفاخر وملاحم تاريخهم الوطني، وأسأل الله أن يوفق أبناءنا على درب تثمين عناصر الذاكرة الوطنية والانطلاق منها لبناء المستقبل المشرق وتحقيق الذات.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار. عاشت الجزائر حرة أبية.
تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.