نقل مقاوم العصابات و عضو أمانة حركة رشاد محمد العربي زيتوت، اليوم الخميس 15 أبريل 2021، عبر صفحته الرسمية فيسبوك مقالا من مقالات نشرية مدنية عدد مارس 2021.
و جاء في المقال مايلي:
الحراك في ميزان الذكاء العاطفي، إنّ عودة الحراك في 16 ثم 19 ثم 22 فبراير 2021 كان بمثابة صاعقة نزلت على رؤوس كبار الجنرالات من صنّاع القرار وكل من يساندهم في الداخل والخارج؛ إنّه دليل واضحٌ على درجة متقدمة من نمو الوعي وتجذر الحاجة إلى بناء دولة الحق والقانون والحريات لدى شريحة كبيرة من الشعب الجزائري تمسّ حتى أولئك الذين لا يشاركون في المسيرات لسبب أو لآخر.
مضيفا، لقد أثبت الحراك أنه يتمتع بذكاء عاطفي كبير، ولولا ذلك لكان مصيره مشابها لمصير معظم ثورات الربيع العربي التي انكسرت أو سرقت.
يرتكز الحراك الجزائري على مجموعة ثوابت تحتاج إلى ذكاء عاطفي لتطويرها واستمرارها.
السلمية:
إنّ اختيار المنهج السلمي اللاّعنفي كأحد الثوابت لمواجهة سلطة قمعية شديدة الخبث يدل على نمو الذكاء العاطفي لدى الشعب الجزائري؛ لقد درج الإنسان الجزائري على المقاومة المسلحة على مر العصور، فمنذ الغزو الروماني ما يقارب 200 سنة ق.م وصولاً إلى الاستعمار الفرنسي الذي جوبه بعشرات المقاومات و الثورات المسلحة، ثم المقاومة المسلحة التي خاضتها جبهة القوى الإشتراكية FFS ضد جيش الحدود؛ زاد ذلك من الطبيعة الخشنة للإنسان الجزائري، وإذ ينتقل اليوم إلى الكفاح السلمي فإنّه يُبرهن على مدى نضجه الثقافي.
نبذ الخلافات الإيديولوجية:
لقد فهم الحراك أنّ التجاذبات الأيديولوجية مجرّد وهم ولغم يحاول العسكر زرعه لنسف الحراك من الداخل، فلو أخذنا الإسلام والعلمانية كمثال لوجدنا أنهما يشتركان في أهم الثوابت وهو تقديس العلم، فالعلمانية ارتبطت أساسا بالحركة العلمية في العصور الوسطى مع خارطة كوبرنيكوس ونظريات غاليلي. الحال كذلك بالنّسبة للإسلام الذي أول ما نزل من وحيه كلمة “إقْرَأْ”. لكن الإدراك الخاطئ للمفاهيم هو الذي شوش الرؤية، مثل اعتبار العلمانية في المنطقة العربية على أنها انفلات وانسلاخ من القيم الاجتماعية المحلية، و اختزال الإسلام في مظاهر دولة الخلافة وتصويرها على أنها ذلك الديكور التاريخي للسلاطين والأمراء. في مقابل ذلك وعلى الرّغم من أنّ قسم كبير من الحراكيين لا يملكون شهادات عليا، إلا أنّ ذكاءهم العاطفي جنح بهم نبذ كل أشكال الإيديولوجيا دون محاولة لإلغائها أو إنكار وجودها في الوقت الراهن، مع حرصهم على الدعوة للحوار والتوحد، كان ذلك جلياً ومختصراً في شعار الحراك “مكاش إسلامي مكاش علماني..كاين عصابة تسرق عيناني”.
الانسيابية:
إيمان الحراك العميق بعدالة قضيته جعله يركز على تحقيقها بإصرار وتصميم كمقدّمة لانسيابيته. أمّا اعتبار الحراك لنشاطه على أنّه تحدّي مشروع وليس تهديد، جعله يبقى مستمرًا لأكثر من عامين بنفس الوتيرة.
وإذ يتطوّر الحراك من مرحلة إلى أخرى، فهو يتمّيز لحدّ الآن بإبداعٍ ومرونة تدفعه إلى تنويع تفكيره، والتماشي مع كل جديد بدون ارتباك ضمن وعي جماعي منسجم.
الوحدة وعمل الفريق:
لقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تقوية الوحدة وتطوير مبدأ عمل الفريق. يؤدّي النشاط الذي ينتشر في النت – مثل الكتابات وفقرات البثّ الحيّ وتبادل الأفكار – إلى تعزيز وحدة الصفوف والرؤية للحلول السياسية، كما يساعد في معرفة الخصم السياسي الحقيقي للشعب وفي تشخيص السرطان الذي أصاب البلد. لقد أصبح أثر الوحدة جلياً في التعاون المتواصل بين نشطاء الحراك خاصةّ في مظاهر التضامن مع المعتقلين ودعم عائلاتهم.
الاستمرارية واتساع الأفق:
يمتاز الحراك بالاستمرارية مع عدم استعجال النتائج، وهنا نذكر إحدى التجارب التي جيء فيها بمجموعة من الأطفال وطلب منهم أخذ حبة حلوى فورا أو الصبر وأخذ حبتين فيما بعد، الأطفال الذين صبروا وأخذوا حبتين اتضح بعد سنوات أنهم حققوا نجاحات باهرة في حياتهم مقارنة بمن أخذ حبة واحدة، وهنا يبرز الذكاء العاطفي للحراك الذي استمر لأكثر من عامين ولا يزال مدركا أن القضية قد تحتاج سنوات لجني ثمارها.
و ختم المقال، في حين تعيش النخبة في بروج عاجية وتعاني في مجملها من متلازمة ستوكهولم، متمسّكةً بما تراكم لديها من ضيق في الرؤية، يتسع أفق الحراك أكثر، ذلك أنّ الذّكاء العاطفي يختلف عن الذكاء العادي في اتساع حيز الرؤية والشمول.