يوسف الحلوي
بعد فشل مساعي المستعين والمنذر في السيطرة على بلنسية ،وبعد حصوله على موافقة ملك قشتالة سيعود الكمبيدور للإغارة على الأراضي الإسلامية عام ١٠٨٩م على رأس جيش قوامه سبعة آلاف مقاتل حيث سيعيث فسادا في أراضي السهلة التابعة لابن رزين الذي سيلتزم معه بأداء جزية ثقيلة، وسيستمر في اجتياح البلاد الإسلامية إلى أن بلغ مشارف بلنسية مرة أخرى، فاستقبله حاكمها القادر بالهدايا والتحف الثمينة، لكن الكمبيدور لم يقنع منه بأقل من مائة ألف دينار، وسيتخذ من بلنسية قاعدة يشن منها غاراته على باقي المدن الإسلامية ،وقد تمادى في احتقار ابن ذي النون فصار يبيع أسرى المسلمين في أسواق بلنسية مما أغضب سكانها فالتفوا حول القاضي ابن جحاف الذي تزعم التيار المعارض لوجود السيد في المدينة.
توالت الأحداث بعد ذلك دون أن يتخذ أمراء المسلمين موقفا حاسما من الكمبيدور مما جعله يعيث فسادا في مقاطعاتهم ،وتطاول ففرض سلطانه على سرقسطة وأحوازها ،فكان أن تسببت ضغوطاته المتكررة في ثورة سكان بلنسية بقيادة القاضي ابن الجحاف ، ففرض على المدينة حصارا قاسيا انتقاما من أهلها ،ويبدو أن ابن الجحاف حاكم المدينة الجديد لم يستفد من الدروس السابقة ،فقد مد له المرابطون يد العون فخذلهم واختار أن يدفع الجزية للكمبيدور وأن يحافظ على ود أمير المسلمين يوسف بن تاشفين (رغم التضييق على حاميته في بلنسية) بإرسال بعض الهدايا إليه .ذلك كان مبلغ ما تفتقت عنه أذهان السياسيين العليلة في تلك الحقبة (مداهنة الكل وانتهاز الفرص) ،وكانت النتيجة أن قتل ابن الجحاف حرقا على يد الكمبيدور بعد مغادرة الحامية المرابطية لبلنسية ،وأن أكل الناس في المدينة القطط والفئران وجثث الموتى من شدة الجوع الذي ألم بهم ،لم يكن للكمبيدور عهد ولم يلتزم بالشروط التي تفاوض معه سكان المدينة عليها من أجل تسليمها .
فبعد رضوخهم في النهاية وسيطرته على مدينتهم ،أذاق القنبيطور سكان بلنسية ألوانا من العذاب إلى أن أنهى المرابطون أمره وطووا صفحته. فبعد أن قتلوا ولده الوحيد”دييغو رودريغيز” وهزموا رجاله ، سيموت السيد غما عام ١٠٩٩م ،وبعده سيسند حكم المدينة لزوجته خمينا التي قاومت الحصار المرابطي ثم استسلمت بعد أن تأكدت من استحالة الصمود في وجه الجيش المغربي ،وقد حملت خمينا جثة السيد التي حنطها رجاله ووضعوها على فرس حزنا على ذكراه .
كانت الوحدة بين الممالك الإسلامية في حقبة الطوائف هي السبيل الأوحد لدفع خطر المسيحيين وكان على الأمراء المسلمين أن يستغلوا الخلاف السياسي بين المسيحيين ، لكنهم اختاروا أن يستعينوا بهم على بعضهم البعض وأن يمدوهم بالمال اللازم الذي سيتقوى به القنبيطور وأمثاله عليهم .
وقد تكررت قصة القنبيطور كثيرا في الأندلس في فترات مختلفة وبوقائع متشابهة حد التطابق ،فكلما احتمى الأمراء المسلمون بسيوف أعدائهم ووثقوا بعهودهم تسلطوا أكثر على مقدراتهم وأراضيهم، وصاروا فريسة سهلة بسبب سذاجة اختياراتهم السياسية ،وكلما لجؤوا للمقاومة فرضوا إرادتهم على عدوهم وكانوا أقرب للنصر.