الكمبيدور…عاقبة الاحتماء بسيوف الأعداء (1/2)

تعتبر شخصية القنبيطور واحدة من أهم الشخصيات التي لعبت أدوارا محورية على مسرح أحداث الصراع الإسباني الإسلامي على أرض الأندلس، في حقبة الطوائف ،وتستمد هذه الشخصية أهميتها من كونها تجسد بقوة  ضعف نظر الممالك الإسلامية السياسي والاستراتيجي ،كما تجسد تهافت الرهان على القوى الأجنبية وإمكانياتها في أزمنة الصراع الحضاري.
لقد أضفى الإسبان هالة من القداسة على شخصية الكمبيدور واسمه الحقيقي “رودريغو دياث دي بيبار” أما لقب الكمبيدور فمعناه “الباسل” أو “المحارب الشجاع ” ولقب كذلك بالسيد وأنجزت حوله العديد من الدراسات وألفت حوله المسرحيات والأشعار اعترافا بالخدمات الجليلة التي أسداها لقومه في معارك الاسترداد.
نشأ السيد في بلاط الملك فرناندو الأول ملك ليون و قشتالة و عند وفاة هذا الأخير و اندلاع الحرب الأهلية بين أبنائه انحاز  إلى سانشو الثاني الذي أسند إليه قيادة الجيش و خلع عليه لقب الفارس ، غير أن مقتل ولي نعمته و وصول أخيه ألفونسو السادس إلى الحكم الذي خاض معارك ضارية ضده في السابق سيعجل برحيل السيد من قشتالة ليتحول إلى زعيم عصابة تجوب الأقطار ،لكنها لم تكن عصابة عادية فزعيمها خبير في صناعة المؤامرات، متمرس في تدبير المكائد و إشعال الفتن ،يقسم وده بين كل الأطراف و يدخر لهم عداوته في نفس الوقت .
كانت شخصية السيد صورة تعبر بقوة عن تعقيدات تلك المرحلة و تقلباتها و كانت الظروف في الممالك  الإسلامية في الأندلس يومها مواتية لسطوع نجمه يقول المؤرخ ابن بسام: كان بنو هود قديما هم الذين أخرجوه من الخمول مستظهرين به على بغيهم الطويل و سلطوه على أقطار الجزيرة يضع قدمه على صفحات أنجادها و يركز علمه على فلذات أكبادها …
لقد وثق قادة المسلمين به و رأوا فيه خلاصهم و رفعوه من دركات الخمول إلى مراتب رفيعة فكان تدبيرهم الفاشل سببا في تدميرهم.
عرض رودريغو خدماته على المقتدر بن هود أمير سرقسطة و بوفاة المقتدر و دخول أبنائه في حرب ضروس من أجل اقتسام تركته سيعرض خدماته على ولده المؤتمن الذي غمره بالمال و الهدايا و اتخذه مستشارا لا يبرم أمرا دون الرجوع إليه .
 و بعد المؤتمن سيقف إلى جانب ابنه المستعين، و هنا سيتخذ قرارا ذكيا بالعمل لحسابه الخاص بعد أن واتته الفرصة و علم من خبايا الأمراء المسلمين ما شجعه على نبذ عهودهم و تجاوزهم لقد اختار لنفسه دورا أهم من دور الدمية الذي اختاره له بنو هود .
 بعد معركة الزلاقة الفاصلة وهزيمة ألفونسو السادس المنكرة تعاظمت أطماع القنبيطور فقرر الانقضاض على بلنسية بعد أن أخلتها الحامية القشتالية المتحالفة مع القادر بن ذي النون ،في الفترة التي هاجمها فيها المنذر بن هود وحاول ضمها لأملاكه ، فأغرى بداية الأمير المستعين باجتياحها و اتفق معه أن يثبت حكمه فيها بمقابل مادي ، و تواصل في نفس الوقت مع القادر حاكم بلنسية و تحالف معه في الحال. و سار المستعين مدعوما بقوات السيد إلى بلنسية معلنا أنه سيخلصها من حصار عمه المنذر حاكم لاردة وطرطوشة، و مبطنا نيته في الاستيلاء عليها ، وسيبلغ العبث ذروته حين قرر المنذر الذي تدعمه فرق قطلانية فك الحصار عن بلنسية والعودة إلى التحالف مع القادر بن ذي النون ضد ابن أخيه المستعين محذرا القادر من مغبة الوثوق في نوايا المستعين. أما القنبيطور فسيراسل ألفونسو السادس ليخبره أنه رهن إشارته هو جنوده وأن مناوراته في الممالك الإسلامية إنما تستهدف خصوم المسيحية وأنه ليس في نيته أن يعادي ألفونسو وسيفرض جزية ثقيلة على بلنسية بعد ذلك وعلى الكثير من الحصون المحيطة بها متنكرا للوعود التي قطعها للمستعين، فما كانت غايته إلا أن يشعل الفتنة بين الأمراء المتنافسين لتصفو له بلنسية في النهاية…(يتبع)

يوسف الحلوي