المغرب – القضاة يوقعون “ميثاق أخلاقي” من أجل تنافس شريف في انتخابات ممثلي القضاة وهذه هي أهم مضامينه

كلمة السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية

بمناسبة التوقيع على  : الميثاق الأخلاقي لانتخابات ممثلي القضاة  

بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، يوم 04 غشت 2021، بمقر المجلس الأعلى للسلطة القضائية

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرات السيدات والسادة ممثلي الهيئات المهنية القضائية؛

لا شك أن اللحظة التي نعيشها الآن، هي بمثابة منارة شامخة في صرح القضاء المغربي، إذ فيها يجتمع القضاة ومجلسهم للتعبير بصوت واحد عن إرادتهم في تشييد بيت القضاء على أسس صلبة، تؤطرها المبادئ العليا التي ترتكز إليها أعرق وأشرف أنظمة العدالة في العالم.

الآن يَُصَرٍّح كلُّ قضاة المملكة بلسان من يمثلهم أنهم ينشدون أن تجري انتخابات ممثليهم في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، على أساس قيم النزاهة والاستقامة، وأن تسعى مختلف الفعاليات القضائية لتوفير شروط الشفافية في الإجراءات، وتساوي الفرص بين المترشحين في كل مراحل المسلسل الانتخابي. وأن يتقيد المترشحون وكافة القضاة بمبادئ الشرف والوقار خلال ممارستهم لحقوقهم الانتخابية، أو قيامهم بواجباتهم المهنية المرتبطة بذلك.

اليوم يعلن كل قاض من قضاة المملكة أن انتخابات ممثلي القضاة بالمجلس هي مؤشر على التزامه بالمبادئ الأساسية لمهنة القضاء، ولقواعد الشرف والوقار والكرامة، التي لا يكون القضاء قضاء بدونها، ولا القاضي قاضياً في حالة التفريط فيها.

أيها السادة : الأخلاق بالنسبة للقضاة، كالأوكسجين بالنسبة للكائنات الحية، ضرورية للحياة، ولذلك فإن التزام القضاة بالمبادئ الأخلاقية لمهنتهم يشكل درعاً واقياً لهذه المهنة، يزيدها هيبة وقيمة، ويقوي الثقة فيها.

الأخلاق تنشأ بالقناعات الشخصية، والتوافق الجماعي. ولذلك يحميها الضمير أولاً، ورد فعل المجتمع ثانياً قبل أن تحتاج إلى حماية القانون.

وإن قضاة المملكة إذ يجمعون اليوم على وضع هذا الميثاق الأخلاقي، لانتخاب ممثليهم في المجلس الأعلى للسلطة القضائية للولاية الثانية لهذا المجلس (2022-2026)، وهي أول انتخابات يسهر عليها المجلس الأعلى للسلطة القضائية بعد تنصيبه من طرف جلالة الملك في سادس أبريل 2017، فإنهم يعبرون عن تمسكهم بالمبادئ الأساسية الناظمة للمهام القضائية، ويَقْبَلُون بأن يجعلوا من ضمائرهم حارساً أميناً لها، ورقيباً على احترامهم جميعاً للقيم القضائية الفضلى. وهو موقف كبير يرفع قضاة المغرب لمرتبة القضاة العظام، الذين يجعلون خشية الله قائدهم وموجههم لإقامة العدل وتحقيق الإنصاف بين الخصوم، وتطبيق القانون تطبيقاً عادلاً في مقرراتهم.

قال الإمام المحَدٍّث سعيد بن جبير رحمهُ الله: ” الخشية
أن تخشى الله حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيته”. فالخشية هنا تصبح ضرباً من الإيمان، ولونا من التمسك بالعقيدة. كذلك هي القواعد الأخلاقية، تمنع المرء من تجاوز حدودها وخرق محدداتها. فتضحي رقيباً ذاتياً يحول بينه وبين مخالفتها، مما يمنع الخلل عن تصرفاته. وهذه أحسن حالات الإنسان، حيث يغلب الجانب الخيِّر فيه عن كل نوازع الشر التي تتربص بالنفس الأمارة بالسوء. وإذا بلغ القاضي هذه المرتبة من السلوك، تحققت كل مقاييس إقامة العدل لديه، فيصبح مستقلاً نزيهاً مستقيماً محايداً ومتجرداً. وتصبح أخلاقه مدعاة للثقة فيه وفي قضائه، وتجلب التقدير والاحترام له ولمهنته. ولذلك فإن رهان المجلس الأعلى للسلطة القضائية على كسب معركة التخليق، هو رهان كل قضاة المملكة.  لأن تحقيقه هو الطريق المباشر لينال القضاء شرف المساهمة في المعارك الكبرى لبلادنا: معارك التنمية والتحديث والديمقراطية والحكامة الجيدة التي يقودها جلالة الملك.

نعم إن معركة التخليق يمكن أن تتحقق بأساليب الردع والعقاب القانوني، لأن الأخلاق جزء من الالتزامات القانونية للقضاة. ولكن الممتع فيما تحقق اليوم من خلال ميثاق الانتخابات. وفيما تشهده الساحة القضائية الوطنية في هذه الفترة من جهود لتنزيل مدونة الأخلاقيات القضائية، هو الانسياق التلقائي للجسم القضائي نحو التمسك بالقواعد الأخلاقية. وفي مقدمتها هذا الإنجاز المعنوي الكبير الذي نجتمع اليوم لترسيمه. والذي لقي قبولاً بكل تلقائية من كافة الجمعيات القضائية، وشاركت في وضعه وبلورة أفكاره شراكة حقيقية، عبر اقتراحات بناءة ومن خلال مناقشات جادة. وكانت غايته الوحيدة أن تجري انتخابات القضاة في ظروف تشرٍّف القضاء وأن يتنافس المترشحون في ظروف يفخر بها كل قاض، فيتجنبون كل الأفعال التي يمكن أن تمس بكرامة القضاء ووقاره وحرمته.  وهذا لعمري قمة السمو الفكري، وهمة الرقي الخلقي.

حضرات السيدات والسادة؛

إن الميثاق الذي سنعمل على توقيعه بعد لحظات، يضع التزامات على كل مكونات الجسم القضائي. أهمها حياد أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمسؤولين القضائيين خلال تدبير العمليات الانتخابية، وتمسكهم بقواعد الشفافية والنزاهة والاستقامة، وحرصهم على المساواة بين المرشحين في التمتع بالحقوق والخضوع للواجبات. وتضع على المترشحين والناخبين من القضاة الالتزام بقواعد المنافسة الشريفة واحترام بعضهم البعض. كما تلقي على عاتق الجمعيات القضائية التزامات مماثلة، بالإضافة إلى دورها في التأطير والتوجيه نحو المثل القضائية العليا.

ويضع المجلس بمقتضى هذا الميثاق رهن إشارة القضاة، عدة آليات مناسبة للوضعية الوبائية الحالية، من شأنها أن تساعد على حسن سير الانتخابات وطبعها بالمبادئ الأخلاقية المشار إليها. ولا سيما توفير قنوات رقمية لتعريف المترشحين بأنفسهم لدى زملائهم، في فضاء مغلق خاص بالقضاة. وإمكانية عقد لقاءات بين المترشح والهيئة الناخبة عن بعد. وكذلك إمكانية تتبع الجمعيات القضائية للانتخابات. وفضلاً عن ذلك سيوفر المجلس نظاماً رقمياً لاحتساب الأصوات وكذلك دليلاً للمكتب الانتخابي  يوضع رهن إشارة أعضاء مكاتب التصويت.

وللتذكير فإن الانتخابات المهنية للقضاة ستجري يوم  23 أكتوبر 2021 ب 24 مركزاً انتخابياً مقارها بجميع محاكم الاستئناف العادية، كما أُشِير إلى ذلك بالقرار الصادر عن المجلس لهذه الغاية.

وإذ أجدد الشكر للسيدات والسادة رؤساء الجمعيات المهنية للقضاة ومكاتبها القيادية ولكافة قضاة المملكة على التلقائية التي شاركوا  بها في مراحل الإعداد لصياغة هذا الميثاق والتنويه بمواقفهم الإيجابية، فإن المجلس والجمعيات القضائية يدعوان كل القضاة الذين سيترشحون للانتخابات المهنية القادمة إلى التوقيع على هذا الميثاق، الذي ستوضع نسخة منه رهن إشارتهم لهذه الغاية.

وندعو الله بالتوفيق والسداد، حتى تمر هذه الانتخابات في أحسن الظروف وتجسد الصورة الحقيقية للقضاء المغربي الشريف الكريم.

والسلام عليكم  ورحمة الله وبركاته

 

                                    الرئيس الأول لمحكمة النقض

                                     الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية