بقلم الدكتور بابا الخرشي، استاذ باحث في الاقتصاد
جامعة ابن زهر
الدولة في زمن كوفيد19
اولا: كوفيد 19 والنظام الاقتصادي الحالي
يمكن الرجوع الى الركائز الأساسية للنظام الرأسمالي لفهم التغيرات المفاجئة التي يعرفها العالم في الوقت ألراهن خصوصا في صورته النيوليبرالية السائدة منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي.
1 – اعتماده على حافز الربح وقانون العرض والطلب والاعتماد على القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي بشكل كبير.
. 2- السعي الى تراكم الرأسمال بشكل مستمر
3 – دور محوري للابناك والبورصات في هذا الاقتصاد الرأسمالي حيث اصبحت مؤشراتها بمثابة بارومتر لصحة او مرض هذه الاقتصادات
4-عولمة هذا النظام حيث اصبحت التجارة الدولية احد اهم ركائزه وهو مانجد تفسيرا له منذ عهد منظّري الرأسمالية ألأوائل آدم سميث (ونظريته في الميزة التجارية المطلقة)، وديفيد ريكاردو (ونظريته في الميزة التجارية النسبية)، كتفسيرات وتأسيسات نظرية لمزايا التجارة الدولية على صعيد تقسيم العمل وكفاءة استخدام الموارد والازدهار العالمي بشكل عام.
جاء كوفيد 19 ليقف صدا منيعا امام هذه المبادئ ، فالخسائر الاقتصادية والاجتماعية المسجلة والتي سوف تسجل كارثية بكل المقاييس وتجاوزت وسوف تتجاوز تلك التي عرفها العالم ابان ازمة 2008.
تُشير التقديرات الاولية عن خسائر مليارية كآثار مباشرة لتفشّي كوفيد19، ومن المتوقع تضاعفها مع انتشاره في مجموعة البلدان التي تُمثِّل محور الاقتصاد العالمي .
فأمام هذه الاثار ألمباشرة صناع القرار امام احد الخيارين الاتيين او بالأحرى الموازنة بينها:
– ركود اقتصادي حاد( مقاربة اقتصادية)
– خسائر صحية وإنسانية( مقاربة صحية وإنسانية)
فهنا يستحضر الدور الاقتصادي للدولة وتدخلها في السوق حيث كوفيد 19 يمكن اعتباره بمثابة ” سلعة عامة” تؤثر على المجتمع بأكمله وهو مايفسر ضرورة تدخل الدولة.
ثانيا: كوفيد 19 ومكانة الدولة
لايخفى على احد ان من اهم النتائج التي اسفرت عنها الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008، حين انهارت الأسواق العالمية هي المطالبة بضرورة تدخل الدول لإنقاذ الشركات والابناك، وهو ما حصل بالفعل .
أليوم وبعد تفشي وباء كوفيد 19، تبيّن للدول الأوروبية أن تحويل مهامها إلى القطاع الخاص لم يف بالغرض المتوخى منه، فعلى سبيل الذكر قامت اسبانيا بتأميم المستشفيات لمواجهة ألوباء
اما المانيا، فقد اقرت حزمة مساعدات غير مسبوقة لإنقاذ فرص العمل والشركات في ظل أزمة وباء كورونا المستجد ولتنفيذ حزمة الإجراءات هاته قامت الحكومة الاتحادية باللجوء الى اقتراض مايعادل 156 مليار يورو.
وتجلت هذه الاجراءات في مايلي:
– حصول الشركات الصغيرة وأصحاب المهن الحرة على مساعدات مباشرة لمدة ثلاثة أشهر.
– دعم الشركات الكبيرة برؤوس أموال،
ويمكن أيضا للدولة في حالة الضرورة أن تشارك في هذه الشركات……
ماذا بعد كوفيد19?
في ايامنا هذه ‘كينز’ يعود ليفرض نفسه مبرزا الدور الذي يمكن ان تلعبه الدولة و تدخلها من اجل انقاذ النظام الرأسمالي ; فمساهمتها في رأسمال المقاولات التي تعرف صعوبات من شانه تفادي افلاسها.
فيما يخص التطورات العالمية في مرحلة ما بعد أزمة كورونا، ستكون مرتبطة بعوامل عدة نذكر من بينها:
– اي دور للدولة؟
من اهم الدروس المستفادة من مواجهة الأزمة ستدفع الدول إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة التي من شانها ان تسمح بمواجهة أزمات مماثلة في ألمستقبل والبحث عن سبل حماية الدولة و تعزيز وجودها. والواضح اليوم، أن تدخل الدولة ضروري في بعض القطاعات كالصحة والتعليم والنقل.
– مكانة السوق:
مما لاشك فيه العام 2020 سيكون عام الركود الاقتصادي. وعلى الرغم من ذلك، من الصعب أن تؤدي هذه الأزمة إلى تقليص عولمة ألإنتاج فالإنتاج الذي تحوّل عبر عقود من الزمن من “إنتاج مصمّم وموجّه إلى السوق المحلي” إلى إنتاج “مخصّص للأسواق العالمية”، من الصعب أن تقضي عليه أزمة وبائية مثل كورونا او غيرها.
– مكانة التكنولوجيا:
سوف تستمر ثورة التكنولوجيا التي ربطت العالم بشكل لا يمكن تفكيكه، وإنما من الضروري أن يمتد هذا الوصل ليشمل التعاون في مجالات مهمة كالوقاية الصحية ومكافحة الأوبئة، وأن تخصص الموارد الكافية لهذه الغاية.
كما ينبغي على الدول أن تستخلص العبر من كوفيد 19 من اعداد برامج ومشاريع تستهدف الاشخاص في وضعية هشاشة الغير القادرين على البقاء والحياة في اقتصاد السوق، فالدول، يمكنها أن تكون أساسية كدرعٍ واقٍ من عدم الاستقرار الاقتصادي.