كثيرة هي الأسئلة التي يطرحها في الآونة الأخيرة المواطنون بمراكش حول مآل ملف التدبير المفوض للنقل الحضري بالمدينة الحمراء. و يتساءلون عما روجت له بعض المواقع المحلية التي صفقت و هللت لخدمات الشركة الحالية ”ألزا”، بالرغم من أن واقع الحال يعكس خلاف هذا الأمر. و خير دليل ما جاء به تقرير المجلس الأعلى للحسابات و ما سجله من خروقات للشركة المذكورة ، و التي تعرضنا لها بشكل إجمالي سابقا . في هذا الحلقة الثانية من متابعتنا لهذا الملف ، نرصد لنقطة مهمة في التقرير و هي الأكثر علاقة بالمواطن بشكل مباشر و هي : استغلال و جودة المرفق في النقل الحضري .
في طرحه لهذه النقطة، تحدث التقرير عن حافلات أسطول ”ألزا” القديمة و المتهالكة، إذ أن أغلب هذه الحافلات تجاوز عمرها عشر سنوات ، و بدل تعويضها يتم فقط اللجوء إلى عملية صيانتها بميزانية عالية بالإمكان توظيفها لاقتناء حافلات جديدة . لكن ”ألزا” تختار حل الصيانة بدل اقتناء الجديد و هو إجراء متعمد يكفل للشركة استثمارا على نحو آخر سنخصص الحديث عنه فيما بعد . إذن هذه الحافلات أعيت أجساد المراكشيين خصوصا الذين يستعملون الحافلة في مسافات طويلة و لأكثر من مرة في اليوم . ”ألزا” لم تكلف نفسها عناء تدبير هذا الأمر، فالمستعمل هو مجرد مواطن مراكشي بئيس تقاذفته ظروف الحياة، فلابأس إن قذفت و لعبت الحافلة بجسده يمين شمال أثناء تحركها ، فهو قد تعود على الأمر.
تحدث التقرير عن غياب مخطط لإقامة الملاجئ و لوحات الإشارة المتعلقة بالنقل الحضري و نقص في معدات نقط وقوف الحافلات . لقد تم تغييب تزويد كثير من مسارات الخطوط بملاجئ، مما يضطر معه المواطنون للوقوف أثناء فترة انتظار الحافلة التي تطول خصوصا في أوقات الذروة . هذا الوقوف الذي يزيد من متاعب مستعملي الحافلات سواء تحت أشعة الشمس أو تهاطل المطر ، و يضاعف من متاعب هؤلاء المواطنين عندما يتعلق الأمر بأشخاص مرضى أو مسنين . إن قراءة بسيطة في تجاوز وضع الملاجئ في نقط وقوف الحافلات من طرف شركة ”ألزا” يبين لنا مدى التبخيس الذي تعامل به هذه الشركة المواطن بمدينة مراكش ، إذ على ما يبدو بالنسبة لها أن وقوف أو جلوس المواطن أمران سيان .
لقد تم أيضا تغييب وضع علامات تشوير تحمل أرقام الخطوط ووجهة الخط، مما يجد معه المواطن في كثير من الأحيان صعوبة و يضطر دوما للسؤال عن المكان الذي سينتظر فيه الحافلة . فلماذا غيبت ”ألزا” هذا الإجراء بالرغم من أنه في غاية البساطة ؟ هل يبدو لها أيضا هنا أن الأمر سيان : وضع العلامة أو عدم وضعها مادامت نسبة الأمية مازالت مرتفعة بالمغرب ؟ من يدري فقد تكون رسالتها ضمنية في هذه المسطرة .
نعود إلى ما أورده تقرير المجلس الأعلى للحسابات عن عدم احترام فئة ذوي الاحتياجات الخاصة التي يسجل في هذه النقطة عدم ملاءمة ظروف الحافلات لحاجياتها خصوصا وجود أدراج عالية . و قد يبدو الأمر هنا عاديا ، فكيف إذا لم تحترم شركة ”ألزا” حاجيات فئة عريضة من مستعملي الحافلات، كيف لها أن تمتثل لتلبية حاجيات هذه الفئة ؟
أما فيما يتعلق بعدم توفر جميع الحافلات على صناديق الإسعافات الأولية ، فربما تكون الشركة قد استهانت بالأمر بعد تعايشها داخل المجتمع المغربي و ملاحظتها أن أغلب المواطنين غير ملمين بمسألة الإسعافات الأولية و بالتالي لاحاجة لأن تكلف نفسها عناء تلبية هذا المطلب .
و بالرغم من أن مدينة مراكش تسجل فيها خلال فصل الصيف درجات حرارة عالية ، وبالرغم من أن الشركة مطالبة بتزويد الحافلات بأنظمة تكييف الهواء، فإنها أبعدت هذا الأمر . فكيف لها أن تزود الحافلات بهذه الأنظمة وهي تفتقر لشروط أخرى أساسية . قد تكون تجاوزت الأمر خشية من تعليقات المراكشيين اللاذعة و الذين هم إن وجدوا أنظمة تكييف الهواء داخل حافلات قديمة متهالكة لن يخرج تعليقهم عن باب : ”اش خاصك ألعريان الخاتم أمولاي” .
هذه بعض من الخروقات التي سجلها المجلس الأعلى للحسابات اتجاه شركة ”ألزا” بمراكش . و نتابع في الحلقة القادمة الحديث عن خروقات أخرى لهذه الشركة من أجل رفع الأغطية الزائفة و الوقوف على مجموعة من الحقائق .