لوموند الفرنسية: تونس تغرق في عصر “الجنون القضائي” تحت حكم قيس سعيّد

أثارت أحكام قضائية مشددة صدرت مؤخراً بحق نحو أربعين معارضاً تونسياً موجة انتقادات واسعة، اعتبرتها صحيفة “لوموند” الفرنسية في افتتاحيتها الصادرة بعنوان “تونس في عصر الجنون القضائي”، إهانة جديدة لسمعة تونس وتكريساً لاستبداد متنامٍ تحت قيادة الرئيس قيس سعيّد.

وأشارت الصحيفة إلى أن المحكمة الابتدائية في تونس أصدرت، يوم السبت 19 أبريل/نيسان، أحكاماً بالسجن تراوحت بين 13 و66 عاماً بحق شخصيات سياسية بارزة من الصف الأول في المعارضة. هذه الأحكام، التي وصفتها منظمات حقوقية بأنها تفتقر إلى أدنى معايير العدالة، اعتُبرت محاولة لتجريم العمل السياسي المعارض وتخويف الأصوات المناهضة لسياسات الرئيس.

ووصفت “لوموند” الوضع في تونس بأنه “تراجع مؤسف” لدولة كانت مهد الربيع العربي عام 2011، مشيرة إلى أن آمال الديمقراطيين العرب تحولت إلى “كاريكاتير حزين” لحكم استبدادي بلا قيود. واعتبرت الصحيفة أن المحاكمات الأخيرة تمثل نموذجاً لهذا التراجع، حيث أدين نشطاء سياسيون وجمعويون ومثقفون وصحافيون ورجال أعمال في محاكمات وصفتها بـ”الصورية”.

وأكدت الافتتاحية أن “ثقل الأحكام وانتهاك حقوق الدفاع يمثلان إهانة إضافية لسمعة تونس”، ووصفت الوضع القضائي الحالي بـ”الجنون القضائي”، وفقاً لما صرح به المحامي سمير ديلو. وأضافت أن تونس التي حازت على جائزة نوبل للسلام عام 2015 تقديراً لمشروعها الديمقراطي، باتت اليوم تواجه انهياراً حاداً في مكتسباتها.

وحمّلت الصحيفة الرئيس قيس سعيّد مسؤولية هذا التدهور، معتبرة أنه من صاغ ما وصفته بـ”خيال المؤامرة” ضد أمن الدولة، مستهدفا بذلك شخصيات معارضة لم تفعل سوى التفكير سلمياً في بدائل انتخابية مشروعة. وأكدت أن هؤلاء السياسيين عبّروا عن قلقهم إزاء مستقبل الديمقراطية التونسية بعد انقلاب يوليو 2021، الذي شهد استحواذ سعيد على جميع السلطات.

وأضافت “لوموند” أن المعارضين كانوا على وعي بعدم مواتاة المناخ العام لهم، مشيرة إلى أن انقلاب سعيد حظي في البداية بتأييد شعبي واسع، وسط موجة استياء من أداء مرحلة الانتقال الديمقراطي التي رافقها تراجع اقتصادي واجتماعي وعنف جهادي وفساد متزايد.

واعتبرت الصحيفة أن الرئيس سعيّد استغل هذا الإحباط الشعبي لا لتصحيح المسار بل لـ”تفكيك منهجي” لمكتسبات الربيع التونسي، عبر استهداف التعددية السياسية وحرية التعبير، لصالح نمط من “الديمقراطية المباشرة” التي وصفتها الصحيفة بأنها لا تعدو كونها غطاءً لسلطة شخصية مطلقة.

وفيما يخص رد الفعل الأوروبي، رصدت “لوموند” حالة من الصدمة، حيث أعربت كل من فرنسا وألمانيا عن قلقهما إزاء الأحكام، رغم حرص العواصم الأوروبية على إبقاء انتقاداتها ضمن حدود الحذر. وعزت الصحيفة ذلك إلى سعي الاتحاد الأوروبي لتفادي اتهامات بالتدخل، بالإضافة إلى اعتبارات مرتبطة بالاتفاقيات المبرمة مع تونس للحد من الهجرة.

واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بالتساؤل حول قدرة أوروبا على الحفاظ على هذا التوازن الحذر لفترة طويلة، في ظل ما وصفته بـ”الحكم المتقلب” للرئيس سعيد، والذي يهدد بإضعاف استقرار تونس والمنطقة بأسرها.

المصدر : صحافة بلادي