كتاب و آراء – كان يعتقد أن رؤساء الجامعات مسؤولون عموميون ناضجون، وواعون بحجم ورمزية الدور التربوي والإداري المسند إليهم، فهو مخطئ تماما. ومن كان يعتقد أن الإرث التاريخي الذي تركه مفكرون ورجال دولة تولوا رئاسة الجامعات لا يزال حيا، فعليه أن يراجع أوراقه، ومن كان يعتقد أن رؤساء الجامعات لا يزالون مؤمنين بحس الدولة والمرفق العام، فعليه أن يرجع البصر كرتين، ينقلب إليه البصر خاسئا وهو حسير.
لم يكن متوقعا، قبل سنوات من الآن، أن يتحول بعض رؤساء الجامعات إلى “زعماء ميليشيات” يتصارعون حول “غنيمة حرب” اسمها “الجامعة المغربية”، وأن يحولوها إلى وكالات أو مقاولات بناء، تدر عليهم الملايير، كي يتمكن رئيس جامعة من اقتناء شقة فاخرة في باريس، وكي يتمكن آخر من دفع رشوة ضخمة كي يحافظ على منصبه وثالث يدفع إتاوات منتظمة، تذكرنا بالجزية، لمن كان لهم الفضل في إيصاله إلى “المريسة”.
خلال الأسبوع الماضي، تقاسمت جلسة نقاش مع صديق لي يشغل منصب رئيس جهة، ونحن نتحاور حول المشهد السياسي المغربي، تناولنا الممارسات غير الأخلاقية و”المافيوزية” التي تشهدها بعض مجالس الجماعات الترابية.
كان صديقي ينصت إلي باهتمام، وبعد أن أتممت حديثي، قهقه ضاحكا وقال لي : “ما يقوم به بعض رؤساء الجماعات الترابية ليس إلا قطرة من بحر ما يقوم به رؤساء الجامعات عندكم. والله إن رؤساء الجماعات الترابية ليسوا إلا تلاميذ أمام الممارسات الخطيرة التي يرتكبها رؤساء الجامعات. إن كان هذا هو حال النخبة العلمية في بلادنا، فكيف سيكون، حسب رأيك، حال النخب السياسية المحلية؟”.
تعليق صديقي، الذي قضى في عالم السياسة سنوات مديدة، يكشف، ولو جزئيا، أن السلوكات الدنيئة من قبيل التوظيفات بالمجاملة والإثراء غير المشروع وحب “المريسة”، والمنتشرة بقوة في الجامعات، قد أصبحت في علم القاصي والداني.
وقد تبادرت إلى ذهني، انطلاقا من الحديث الذي تبادلته مع صديقي، أسئلة مقلقة حقا حيال “البقبقة الإعلامية” التي يقوم بها بعض رؤساء الجامعات :
هل نحن أمام انفصاليين جدد ؟
هل نحن أمام ميليشياويين يعتبرون الاستقلالية استقلالا تاما عن الدولة ؟
لقد تجذرت في الوسط الجامعي منظومة ولاءات ضيقة، دفعت أحد رؤساء الجامعات المصابين بهلوسات انتهاء مدة الانتداب إلى التصريح في أحد مجالسه “المنغمة” أنه “غادي يدير الليكات ويدخل النقابة إيلا ما عينوش ديالي”. هاد “الرايس” عندو غير النقابة، أما لو كان عندو الجيش والبوليس، فإنه لن يتردد في استخدامهم، فقط لأن الدولة ما عيناتش صاحبو. كما أن تصريحه “المنغم” يفسر الانتكاسة التي تعرض لها العمل النقابي في بعض الجامعات، حيث أصبحنا نقرأ بيانات حول التعيينات في مناصب المسؤولية مدبجة بتوقيعات مكاتب محلية وجهوية. والسؤال المطروح بإلحاح : متى كانت التعيينات الحكومية “شأنا نقابيا” ؟
وعن “الرايس مول الليكات”، ذكر لي أحد أصدقائي من مديرية المنشآت العامة والخوصصة التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، أن “سعادة الرايس” كان يحاول، دائما، استمالة موظفي المراقبة المالية والخزينة من أجل تيسير “صفقاته العظيمة”، وقد دعاهم، في غير ما مرة، إلى التسجيل في أسلاك الماستر والدكتوراه.
ولا غرابة في “لعب الدراري” الذي يفترفه الرؤساء، فقد ثبت زعيمهم وكبيرهم الذي علمهم السحر قد اقترف تزويرا شنيعا في مقالة علمية عبر الاستعانة بالفوتوشوب، ورغم مراسلات المجلة العلمية الموجهة إليه، إلا أنه لاذ بالصمت. ولا يزال هذا “النمر الورقي” يقطن في فيلا تابعة للأملاك الخاصة لوزارة التربية الوطنية في تواركة، قلب مدينة الرباط، وجاره الحميم لا يزال مسؤولا ساميا في وزارة التعليم العالي.
إنهم يريدون أن يبقوا “رؤساء جامعات مدى الحياة” … إنهم نماذج مصغرة عن “رؤساء جمهوريات الموز” الذين يعدلون الدستور في منتصف الليل من أجل البقاء في السلطة إلى الأبد.
بقلم : د.عبد العزيز الناصري